إدارة الشئون الفنية
ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة

ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة

18 أبريل 2025

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 20 من شوال 1446 هـ - الموافق   18 / 4 / 2025م

)وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ(

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَجَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، أَحْمَدُ رَبِّي وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَسْبَغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ وَآلَاءَهُ، وَأَتَّمَ لَنَا فَضْلَهُ وَعَطَاءَهُ، وَيَسَّرَ لَنَا سُبُلَ الْحَيَاةِ بِالْمَنَافِعِ وَالْآلَاتِ تَيْسِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-؛ فَإِنَّ التَّقْوَى أَكْرَمُ مَا أَسْرَرْتُمْ، وَأَجْمَلُ مَا أَظْهَرْتُمْ، وَأَفْضَلُ مَا ادَّخَرْتُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ خَلَقَكُمْ لِتَعْبُدُوهُ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لِتَشْكُرُوهُ، )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( [الحديد: 28].

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ:

لَقَدْ خَلَقَ اللهُ - سُبْحَانَهُ – الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ فَكَمَّلَهُ تَكْمِيلًا، وَكَرَّمَهُ وَرَزَقَهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا؛ قَالَ تَعَالَى: ) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا( [الإسراء:70]. وَسَخَّرَ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ تَسْخِيرًا، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لِيَشْكُرَهُ وَيُعَمِّرَ الْأَرْضَ تَعْمِيرًا: )وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( [الجاثية:13].

أَلَا وَإِنَّ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا وَسَخَّرَهُ لَنَا: هَذِهِ السَّيَّارَاتِ وَالْبَاخِرَاتِ وَالطَّائِرَاتِ، فَكَمْ يَسَّرَتْ مِنْ عَسِيرٍ، وَقَرَّبَتْ مِنْ بَعِيدٍ، وَرَفَعَتْ مِنْ مَشَقَّةٍ، وَقَرَّبَتْ مِنْ شُقَّةٍ!! قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُمْتَنّاً وَمُبَيِّناً فَضْلَهُ عَلَى عِبَادِهِ: )وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ*   وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( [النحل:5-8]. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي قَوْلِهِ: )وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (: (مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ مِنَ الْأَشْيَاءِ، الَّتِي يَرْكَبُهَا الْخَلْقُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالْجَوِّ، وَيَسْتَعْمِلُونَهَا فِي مَنَافِعِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا بِأَعْيَانِهَا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ إِلَّا مَا يَعْرِفُهُ الْعِبَادُ، أَوْ يَعْرِفُونَ نَظِيرَهُ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ فِي زَمَانِهِمْ فَإِنَّهُ لَوْ ذَكَرَهُ لَمْ يَعْرِفُوهُ وَلَمْ يَفْهَمُوا الْمُرَادَ مِنْهُ، فَيَذْكُرُ أَصْلًا جَامِعاً يَدْخُلُ فِيهِ مَا يَعْلَمُونَ وَمَا لَا يَعْلَمُونَ) اهــ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

وَلَمَّا كَانَتِ السَّيَّارَاتُ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْنَا فَقَدْ وَجَبَ شُكْرُهَا، وَحَقَّ ذِكْرُهَا، وَلَزِمَ اسْتِعْمَالُهَا فِي  مَحْبُوبَاتِ اللهِ وَمَرَاضِيهِ، وَالاِبْتِعَادُ عَنِ اسْتِعْمَالِهَا فِي أَسْبَابِ مَسَاخِطِهِ وَمَنَاهِيهِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ الشَّاكِرِينَ بِالْمَزِيدِ، وَتَوَعَّدَ الْجَاحِدِينَ بِالنَّكَالِ الشَّدِيدِ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ( [إبراهيم:7].

وَلْيَسْتَحْضِرِ الْعَبْدُ هَذِهِ النِّعْمَةَ الَّتِي وَهَبَهَا اللهُ لَهُ، وَلْيَذْكُرْ وَيَتَذَكَّرْ ذِكْرَ مَنْ يُقِرُّونَ وَيَشْكُرُونَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: )لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ( [الزخرف:13-14]، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ: أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهَا مِنَ الْهَلَاكِ وَالْعَطَبِ؛ بِتَرْكِ الطَّيْشِ أَثْنَاءَ الْقِيَادَةِ، وَالتَّهَوُّرِ فِي السُّرْعَةِ فِي الطُّرُقَاتِ؛ اللَّذَيْنِ يُفْضِيَانِ غَالِباً إِلَى الْحَوَادِثِ الْمُؤْسِفَةِ، وَتَقْرِيبِ يَدِ الْمَنُونِ الْخَاطِفَةِ، بِإِزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ الْبَرِيئَةِ، وَتَخْرِيبِ الْمُمْتَلَكَاتِ النَّفِيسَةِ، وَتَخْلِيفِ فِئَاتٍ مِنَ الْمُجْتَمَعِ مِنْ ذَوِي الْعَاهَاتِ الْمُسْتَدِيمَةِ الشَّوْهَاءِ، وَسَلْبِ سَعَادَةِ أُنَاسٍ بُرَءَاءَ مِنَ الْأَطْفَالِ وَالشُّيُوخِ وَالنِّسَاءِ، وَتَفْتِيتِ أَكْبَادِ الْوَالِدَيْنِ، وَتَقْطِيعِ قُلُوبِ الْأَقْرَبِينَ وَالْمُحِبِّينَ؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ» [أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

فَأَيُّ فَاجِعَةٍ كَهَذِهِ الْفَاجِعَةِ تَحُلُّ بِالْأُسَرِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ؟!، وَأَيُّ مُصِيبَةٍ أَعْظَمُ عَلَى صُدُورِهِمْ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ فِي الْمُصِيبَاتِ؟! أَلَا فَلْيَعْلَمْ كُلُّ مَنْ تُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ الطَّيْشَ وَالتَّهَوُّرَ وَالرُّعُونَةَ أَنَّ رُوحَهُ لَيْسَتْ مِلْكاً لَهُ، وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْآخَرِينَ لَيْسَتْ رَخِيصَةً وَلَا هَيِّنَةً؛ إِنْ كَانَتْ رُوحُهُ رَخُصَتْ عَلَيْهِ أَوْ هَانَتْ!؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: )وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ( [النساء:29] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ) وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ( [البقرة:195].

وَلْيَعْلَمْ أَنَّ قِيَادَةَ السَّيَارَةِ بِسُرْعَةٍ جُنُونِيَّةٍ أَوْ زَائِدَةٍ عَنِ الْمِقْدَارِ الْمَسْمُوحِ بِهِ: خَطَأٌ جَسِيمٌ، وَوَبَالٌ عَظِيمٌ، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَدْ أَفْتَى بِأَنَّ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ السُّرْعَةِ الزَّائِدِةِ عَنِ الْحَدِّ الْمَسْمُوحِ بِهِ: مَاتَ مُنْتَحِرًا؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

فَيَا لَلَّهِ كَمْ جَلَبَتِ الْحَوَادِثُ مِنْ مَصَائِبَ عَلَى النَّاسِ!! فَكَمْ مِنْ نُفُوسٍ أُزْهِقَتْ، وَأَطْفَالِ يُتِّمَتْ، وَنِسَاءٍ رُمِّلَتْ!!، وَكَمْ بُتِرَ مِنْ أَطْرَافٍ، وَشُوِّهَ مِنْ مَلَامِحَ وَأَوْصَافٍ!! وَكَمْ أَعْقَبَتْ مِنْ عَاهَاتٍ، وَأَحْدَثَتْ مِنْ حَاجَاتٍ، وَأَوْرَثَتْ مِنْ زَفَرَاتٍ وَحَسَرَاتٍ!!!.

كَفَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ شُرُورَ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، وَحَفِظَنَا فِي أَنْفُسِنَا وَأَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

  أَمَّا بَعْدُ:                                            

فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ؛ يَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ. ) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  ( [الأحزاب: 70-71].

 أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

لَقَدْ عَلِمَ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّ السَّيَّارَاتِ وَسِيلَةٌ لِقَطْعِ الْمَسَافَاتِ وَقَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَقَدِ اسْتَبَانَ نَفْعُهَا، وَتَجَلَّى فَضْلُهَا، وَتَحَقَّقَ خَيْرُهَا، وَظَهَرَ بِرُّهَا، فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يُقَدِّرَ هَذِهِ النِّعْمَةَ وَيَرْعَاهَا؛ لِتَبْقَى نِعْمَةً وَلَا تُصَيَّرَ نِقْمَةً يَتَجَرَّعُ بَلْوَاهَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا، وَعَلَى أَرْوَاحِ الْآخَرِينَ وَمُمْتَلَكَاتِهِمْ، كَمَا يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى آدَابِ الْقِيَادَةِ وَالطَّرِيقِ، وَيُعْطِيَ كُلًّا حَقَّهُ بِلَا رُعُونَةٍ وَلَا تَضْيِيقٍ.

وَمِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ وَالْآدَابِ: إِعْطَاءُ الطَّرِيقِ حَقَّهُ الْمَصُونَ، وَإِفْسَاحُ الْمَجَالِ لِلْآخَرِينَ، وَالْتِزَامُ حَارَتِهِ أَثْنَاءَ السَّيْرِ، وَاسْتِعْمَالُ الْإِشَارَاتِ الضَّوْئِيَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَعَدَمُ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ، وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَرْكُ التَّسَابُقِ فِي الطَّرِيقِ وَالرُّعُونَةِ فِي الْقِيَادَةِ، وَعَدَمُ وَضْعِ مُفَخِّمَاتِ الصَّوْتِ فِي عَادِمِ السَّيَّارَةِ، وَالْإِضَاءَةِ الزَّائِدَةِ أَوِ الْمُبْهِرَةِ فِي اللَّيْلِ؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

  عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّا تَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ مِنَ الْآدَابِ: مُرَاعَاةُ قَوَانِينِ الْمُرُورِ فِي السَّيْرِ وَالتَّوَقُّفِ، وَعَدَمُ الْوُقُوفِ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يُسْمَحُ لِلْوُقُوفِ فِيهَا، أَوْ عَلَى الْأَرْصِفَةِ، أَوِ الْوُقُوفِ بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ سَلِيمَةٍ بِحَيْثُ يُضَيِّقُ عَلَى غَيْرِهِ، وَعَدَمُ الْوُقُوفِ فِي الْأَمَاكِنِ الْمُخَصَّصَةِ لِذَوِي الِاحْتِيَاجَاتِ الْخاصَّةِ، وَعَدَمُ تَجَاوُزِ الْإِشَارَةِ الْحَمْرَاءِ، وَالْتِزَامُ قَوَانِينِ الْمُرُورِ وَالسَّلَامَةِ، وَالْبُعْدُ عَنْ أَذِيَّةِ الْآخَرِينَ وَتَرْوِيعِهِمْ، وَعَدَمُ اسْتِعْمَالِ الْهَاتِفِ أَثْنَاءَ الْقِيَادَةِ؛ فَالْتِزَامُ الْأَدَبِ فِي الْقِيَادَةِ دَلِيلٌ عَلَى طِيبِ خُلُقِ السَّائِقِ وَاحْتِرَامِهِ لِلْآخَرِينَ؛ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ: لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ... » إِلَى أَنْ قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: «مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا فِي أَنْفُسِنَا وَأَهْلِينَا وَأَمْوَالِنَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني